الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهل يسمي العرب أبناءهم بأسماء: كـ"عبد العزى"، و"عبد اللات"، و"عبد مناة"، أو بألقاب: كـ"أبي لهب"؟!
وهل يستسيغ المصريون لو أن مصريًا منح ابنه اسم: "هامان"، أو "منقرع"، أو "رع"، أو غيرها من الأسماء الفرعونية؟!
الجواب: لا... لأن في تلك الأسماء دلالات عقدية يرفضونها، وقد أشربت من حياض عقائد وثنية، وتشبعت بمعانٍ تاريخية تنافي الحضارة الإسلامية... سل يجيبك عن هذا تلاميذ المراحل الابتدائية في عالمنا!
لكن هل يحدث الرفض هذا في الحضارة الفارسية؟؟
تجيبك أسماء لأبطال "الشاهنامة" الملحمة الأدبية التي أرخَّت لأساطير، ووقائع تاريخية للفرس قبل الإسلام، والتي يطلق عليها المؤرخون: القرآن الفارسي، حين تجد فيها أسماء تاريخية وأسطورية فارسية، مثل: "رستم - اسفنديار - منوشهر - مهراب - جاماسب - جمشيد - كيخسرو"، وكلها أسماء مستخدمة في التداول الفارسي إلى يومنا هذا! فهل لذلك دلالة معينة؟!
ما أراه لأول وهلة -ولعلك قارئي الكريم توافقني-: أن القوم لم يتخلصوا بعد من سيطرة تلك الأساطير، وأنهم لا يزال لديهم نزوعًا مريبًا نحو تلك الحضارة البائدة وهو ما قد ينعكس -ولو بصورة غير متعمدة من قبل العامة على الأقل- على تعاملهم مع الآخرين الذين سلبوهم تلك الحضارة كالعرب مثلاً!
هل يصلح دلالة على قولي -ولا أظنني جانبت الصواب في هذا- أن القوم يحتفلون وإلى يومنا بـ"أبي لؤلؤة المجوسي" الذي قتل عمر -رضي الله عنه-، ويشرفون قبره ويؤبنونه تأبينـًا... ؟!
وليس ثمة ما يدعو لهذا سوى أن "الفاروق" جاهد؛ لتكون كلمة الله -تعالى- هي العليا فسلب عباد النار ملكهم فحقدوا عليه حقدًا لا زالت ناره تكويهم ليومك هذا!
ولئلا يتوه بنا الاستطراد دعنا نفصل ما عنونا به المقالة فنقول:
اسفنديار بن كشتاسب بن لهراسب من أهم الشخصيات الشاهنامة! وكان اسفنديار يدعو الناس في الإيران والروم، والهند، واليمن لدين المجوسية! وبعد أحداث لا نطيل بذكرها طلب كشتساب من ولده اسفنديار أن يقاتل رستم بن زال في سجستان، ويأتيه أسيرًا، لكن ما حدث كان العكس فقد قتل رستم اسفنديار، والغريب أن وصي اسفنديار رستم قبل موته أن يربي ابنه بهمن تربية الوالد لولده... ! ودفن اسفنديار بعدها في الإيران.
تأمل معي أن يطلب الرجل من عدوه أن يربي له ابنه... أي غفلة هذه، وأي تركيبة نفسية يتعامل بها الشهناميون مع أعدائهم؟ إن كان يراه على حق فخير له أن يفاوضه أو يسالمه، وإن كان يراه على باطل فكيف يطلب منه ذلك؟!
تعالَ لنقارن بين الاسفندارين القديم والحديث؛ لننظر كيف يتحدث الاسفنديار الحديث عن أعدائه بنفس المنطق؛ ففي تصريح "لاسفنديار مشائي" -نائب الرئيس الايراني أو مدير مكتبه بحسب الحال فهو نسيبه ولابد له من منصب!- نقلته صحيفة "اعتماد" ووكالة أنباء "فارس" الإيرانيتين في 20-7-2008 يقول: "إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والشعب الإسرائيلي"، فهو يرى إذن أن الشعب الإسرائيلي -الذي احتل أرضنا وقتل ذوينا وأقام المذابح لأطفالنا- هو شعب صديق وكذلك الداعم للإسرائيليين والشيطان الأكبر كما يحلو لهم أن ينادوه هو كذلك شيطان صديق!!
وعلى العموم لم تقل سذاجة هذا "الاسفنديار" عن سميه السابق؛ فكلاهما يحب عدوه ويثق فيه حتى يسلمه أبناءه، ولا عبرة بعدئذ من كل دعاوى التهديدات والانفعالات، والتبرءات ومظاهرات الضحك على السذج من الإيرانيين، وغيرهم مادامت القيادات الإيرانية منخرطة حتى النخاع في حب الأصدقاء من اليهود والأمريكان! وما دام من كان هذا فكره يكون مؤهلاً لمنصب نائب الرئيس الذي يدعي أنه عدو إسرائيل الأكبر!!
لكن هل هذه من الاسفنديار الحديث سذاجة أو حماقة انفرد بها أم أنه يعبر عن منهج فارسي أصيل؟؟
إن الواقع لكل متأمل يكشف أن العلاقة بين المثلث "الإسرائيلي - الإيراني - الأمريكي" تقوم على المصالح، والتنافس الإقليمي والجيو-استراتيجي، وليس على الأيديولوجيا والخطابات، ولا علاقة لكل ذلك بأي انتماء إلا الانتماء الفارسي الذي ينظر إلى مصالحه -ومصالحه وحدها-، وليذهب بعدها هذا العالم الإسلامي إلى الجحيم، وهذا ما تخبرك به كل المواقف الفارسية بلا استثناء حتى من أيام "شاه إيران" الذي كان على وفاق دائم معها، ومرورًا بما يسمى الثورة ورجالها كـ"الخميني"، وانتهاءً بـ"نجاد" المتهم بالتزوير.
فبينما لا تخلو لغة المسئولين الإيرانيين منذ الثورة عام 1979 من مفردات العدو، والعمل على إزالة "إسرائيل" من الوجود، وشعارات تحرير القدس، والاحتفاليات الكثيرة بهذا الشأن، وادعاء أنهم يدعمون المقاومة، وأنها لم تخرج إلا من عباءتهم، وكلها كلمات رنانة لا تخرج عن لغة التعاطف والتأييد اللفظي... ! بينما الواقع على الأرض عكس كل دعاوى العداء، وكل دعم مقدم هو لتوطيد أقدامهم ليس إلا: فلولا مساعدتهم للولايات المتحدة لما سقطت بغداد، ولا كابول؛ فإن إيران لعبت دورًا أساسيًا في إسقاط هاتين الدولتين اللتان لهما أهمية كبيرة في المنطقة العربية والإسلامية، وانظر كدليل على التوافق والتعاون المستمر كيف سمحت أمريكا بتعيين وزراء عراقيين يحملون الجنسية الإيرانية، بل وكيف سمح للأمن الإيراني بالتدخل السافر في العراق إما من خلال منظمات مرتبطة بشكل كامل بها كمنظمة: "بدر"، وحتى السماح لأجهزة التحقيق الإيرانية بتولي التحقيق مع المجاهدين الذي كانوا يحتاجون لمترجمين عن الفارسية ليتفاهموا معهم؟!
وفي هذا المعنى نفهم تصريحات أبطحي المدير السابق لمكتب خاتمي ـوالذي قال بالحرف الواحد-: "لولا إيران ما دخلت أميركا بغداد ولا كابل"!!
وعلى هذا يجب علينا أن نفهم أن أمريكا في العراق وأفغانستان: "الحليف الأكبر"، وفي لبنان وفلسطين ومنطقة الخليج: "الشيطان الأكبر"!! وهو ما يؤكد ما نذكره من أن الانتماء الفارسي المعكوس المنطق هو ما يحركهم.
وحتى تصريحات "أحمدي نجاد" ضد إسرائيل كلها لم تخرج عن هذا الإطار، فاللعب بورقة معاداة إسرائيل يساعد إيران في تجاوز الانقسامات الفارسية - العربية والشيعية - السنية. والخطاب الحاد ضد إسرائيل يلاقي قبولاً طيبًا في الشارع العربي، ولن يغير واقع التعاملات التحتية، بل يؤدي لكسب مزيد من المؤيدين لها في المنطقة بلا واقع عملي فضلاً عن وضوح فكري وعقدي.
ونظرة إلى واقع نجاد نفسه وكيف كان متعاونـًا جدًا مع الاحتلال؟! وكيف أفلح في التغاضي عن كل الجرائم الأمريكية ضد العراق وأفغانستان وكأنها لا تعنيه هو وأصدقائه من حماة الإسلام في قم؟!
وتأمل كيف زار العراق تحت الاحتلال وقام بحراسته الجنود الأمريكان والتقى بقوات التحالف ومدحوه؟! وكيف لا يمدحوه وهو الذي قدم لهم الدولتين على طبق من فضة؟!
هل تقول سياسة؟! وتقول وهل خلت دولنا العربية من مواقف شبيهة أو أشد سوءًا؟!
وهل ستردد التشجيعات الساذجة في بيان اتحاد علماء المسلمين الذي أظنه من صياغة الكاتب الشهير عراب إيران في المنطقة وزميله المحامي اللذان أقحما نفسيهما في لعبة التشجيع دون روية ولا انتباه لدلالات التزوير والسير بعكس مصالح الأمة؟!
ونقول: إن هناك فرق بين من يدعي أنه صاحب فكر ومنهج وثورة يدعي أنها إسلامية -زعموا-ويرجع كل تصرفاته وأفكاره إليها وبين الانتهاز السياسي المتسربل بالعلمانية -والذي نرفضه أيضًا-، الذي يبديه البعض تمسكًا بلعاعة الدنيا... كل ذلك مرفوض لكن الأول أشد سوءًا والأسوأ منه أن يشجعه علماؤنا.
جاء في مذكرات "أرييل شارون" ، يقول: "لم أرَ يومًا في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد"(1)، وصدقك وهو كذوب، وسل التاريخ ينبيك عن تلك الحقيقة!
وضع "الخميني" بنفسه أسس البروتوكول التعاوني مع إسرائيل حيث كان يشتري منهم السلاح قائلاً: "إن الحرب هي الحرب"! وهذا ما ذكره أبو الحسن بني صدر أول رئيس لإيران الخميني في قناة الجزيرة عام 2000، وبالطبع الأمر لن يتوقف على مجرد شاء الأسلحة، بل هناك تعاون في مجالات شتى، ولتذهب المقاطعة إلى الجحيم فـ "إسرائيل" تستورد ما قيمته حوالي 20 مليون دولار سنويًا شراء الفستق الإيراني، وهذا صنف واحد!
وبروتوكول التعاون الإيراني الإسرائيلي مستمر، وحتى الآن، وظهر في أكثر من موقف منها قضية "إيران ـ كونترا" الشهيرة، وهي الخطة التي باعت بمقتضاها إدارة الرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" بواسطة نائبه "جورج بوش الأب" صواريخ مضادة للدروع إلى إيران عن طريق إسرائيل تحت زعم إطلاق سراح خمسة من الأمريكيين المحتجزين في لبنان!! بعيدًا عن رقابة الكونجرس، الذي صنف "إيران الملالي" أمام الرأي العام الأمريكي كدولة عدوة لا يجب التعامل معها، كذلك شراء إيران لصواريخ أخرى من الإسرائيليين عام 1986.
وغير ذلك الكثير الذي دفع "ببنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد ذلك "1996 – 1999" إلى إصدار أمره بعدم الإعلان عن أي تعاون سابق أو لاحق بين إسرائيل وإيران، وأراد "نيتنياهو" بقراره هذا حماية سرية بنود التعاون مع إيران؛ لأن كشفها سينسف كل البروتوكولات المتفق عليها مسبقـًا، وسيفضح محاولات "إيران الرسمية" المستمرة لارتداء مسوح "الأب الروحي" الداعم للثورات الإسلامية أمام الشعوب العربية، وسيهدم تبنيها لشعار: "إزالة إسرائيل من على الخريطة"! الذي لا يعدو عن كونه بروتوكولاً شيطانيًا آخر؛ لخداع البسطاء العرب، تحت زعم معاداة إسرائيل؛ لتستطيع من خلاله تحقيق مشروعها الحلم! زيو مائور "الباحث بمعهد" أوميدا" الإسرائيلي في بحثه تحت عنوان: "إيران بحاجة إلى إسرائيل" جاء فيه: "إن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها، بل هي في حاجة إليها وتعتبرها مكسبًا استراتيجيًا مهمًا حتى تظل قوة عظمى في المنطقة".
وأما عن الشيطان الأكبر أمريكا: فكثير منّا لا يعلم أنّه على الرغم من قانون العقوبات الأمريكي الشهير المفروض على إيران، والذي يمنع المتاجرة مع إيران بأي شكل من الأشكال، ويعاقب تعامل الشركات الأمريكية -وحتى الغير أمريكية- المتعاملة معها، وخاصة في القطاعات المهمة والتي يشكّل النفط إحداها، فإنّ شركة "هاليبيرتون" النفطية الأمريكية الشهيرة التي يديرها نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" أحد أهم الصقور، والمعروفين بالمحافظين الجدد الذين يديرون "الشيطان الأكبر" ظلّت تعمل في إيران حتى أوائل العام 2007 حين أصدرت بيانـًا أعلنت فيه أنها أنهت جميع التزاماتها الموقعة في إيران، بعد أن كانت تطوّر حتى حينه بعض الحقول النفطية والغازية في هذا البلد، وتصدّر إليه معدّات بقيمة 50 مليون دولار أمريكي سنويًا!!
فهناك إذن معاملات مختلفة وود من خلف الكواليس! فهل كان اسفنديار الحديث مخطئًا عندما مدح أعداءه كما فعل سلفه اسفنديار القديم؟!
أم أننا نحن السذج والمنخدعون بأوهام "الإمبراطورية الفارسية" الواعدة التي تروج لكل ما من شأنه إثارة الانقسام والفرقة بيننا؛ لتصعد على أكتافنا، والعجيب أن يضرب بهم المثل في بيانات علمائنا... ! آه من سذاجة اسفنديارتنا أيضًا!!
www.salafvoice.comموقع صوت السلف