لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
هل أنت ذلك العبد المؤمن المرحوم، الذي يدنيه ربه ويعرفه ذنوبه؟ ويقول: تعرف ذنب كذا، فيقول العبد: أعرف يا رب، أعرف يا رب، فيقول الرب: سترتها عليك في الدنيا واليوم أغفرها لك.
أم أنت ذلك العبد العاصي المحروم، الذي يقول له الرب: لما فعلت كذا يوم كذا، فيكذب ويطلب الشهود، وتكون المفاجأة. (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يس: 65)، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (فصلت: 21).
*اعتراف مذنب *
كم ليلة أودعتـها مأثــمــا أبدعـتـــــهــا لشهوة أطعتـها في مــرقـد ومضـجــع
وكم خطـــا حشـشـتــــها في خــزيـــــة أحدثتهــا وتوبة نكثتها لملعب ومرتع
وكم تجـرأت على رب السماوات العـلى ولم أراقبـــه ولا صـــدقت فيــــما أدع
ماذا قدمت لهذا اليوم؟ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس: 34ـ 36).
هل سودت صحيفتك بسيء الأعمال، كترك الصلاة والتهاون بها، وفعل الفواحش، وشرب السجائر والمخدرات، وسماع الأغاني، والسهر أمام القنوات الفضائية فيما يغضب الرب، ومتابعة المواقع الإباحية على النت، واقتناء الصحف والمجلات الهابطة، ومشاهدة الأفلام الساقطة والغرف في المعاكسات، وتتبع النساء على الهواتف وفي الشوارع مما يثير الشهوة ويوقع الإنسان في الزنا والعادة السيئة، وغيرها من المنكرات، والتشبه بالغرب الكافر في طريقة كلامه وأفكاره وملابسه وقصات شعره وانحرافه.
أخي الكريم من أنت؟!
قلبك تفرق بين هذه الشهوات، فإذا مل هذه انتقل إلى تلك، فكيف حال هذا القلب؟ كيف سيكون قلب في الشهوات منغمس وعقل في اللذات منتكس، ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات؟ قلب في سجن الهوى ولم يخرج إلى ساحة الهدى.
فيا أسير دنياه، يا عبد هواه إلى متى؟ إلى متى؟ إلى أن يفاجئك الموت على غفلة منك، وربما وأنت تنتقل من قناة إلى قناة، أو وأنت تسمع الغناء، أو وأنت ممسك بسماعة الهاتف تعاكس وتتواعد، أو وأنت وحدك تمارس عادة سيئة، أو تفكر في حرام، إلى متى أخي الحبيب وأنت بين هذه القاذورات؟ أين عقلك؟ أين غيرتك؟ أين العزيمة؟ أين الصبر؟ أين الرجولة؟ أين دينك؟ احذر سوء الخاتمة.
بكى سفيان الثوري ليلة حتى الصباح، فلما أصبح قيل له: "أكل هذا خوفاً من الذنوب؟"، فأخذ تبنة من الأرض، وقال: "الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي خوفاً من سوء الخاتمة".
عاتبــت قلبي لما رأيت جســمي نحـيــلا
فلام قلبـي طــرفي وقــال كنت الرســولا
فقـال طرفي لقلبي بل كنت أنت الدليـلا
فقلت كفـــا جميــــعا تركتمـــاني قتيــلا
بادر أخي بالعمل فإن منزلة القبر بحسب منزلة العمل، وطوبى لمن بادر عمره القصير .. فعمر به دار المصير، ويا حسرة شاب أحرق نضارة شبابه في اللذات والشهوات ومعصية القدير.
يقول الإمام ابن الجوزي: "فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام، وحفظ قوته في الحلال فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل، ولم يسع في إفناء عمره وتشتيت قلبه في شيء لاتحسن عاقبته".
قال الفضيل بن عياض: "من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق فقد أسباب النجاح".
أخي الكريم:
لكل شيء منتهى، وتفوت اللذة ... وتبقى الحسرة، ويبقى الألم ويبقى الحساب يوم الامتحان.
يا بؤس الإنسان في الدنيا وإن نــــــــــال الأمل
يعيــــش مكتــــــوم العـلــل فيها ومكتــوم الأجل
بينما يرى في صــــــــــحة مغتــبطــاً قيل اعتلل
وبينما فيهــــا ثـــــاويـــــا قيـــــــــل انــتــــــــقل
فأوفـــر الحــظ لـميـــــــــت يتــبعه حسن العمــل
كتبة : الشيخ سعيد السواح حفظه الله
صوت السلف